قطرة من بحر احزاني

أتوجه كعادتي كل يوم حيث تفوح رائحة الغربة ، ويحلو البوح ، وأسعد بلملمة رفاتي لأحيا قليلا بذكرياتي وأدفن بعدها في جحيم أمنياتي ، لكن هذه المرة أبت ضوضاء النفس إلا أن تلاحقني لتحرق صمتي ، أيقنت بأنني مسلما لعنادها ..

بينما كنا كذلك إذ بلحظات من الهدوء تداعب المكان ، واتسعت الأحداق لقادم سيحرك دفة الزمان ....

عندها اختنقت الصورة واضمحلت الرؤية و نامت الشمس خلف غطاء البحر ، وأفاقت النجوم وارتدى القمر أبهى حلل البدر ومع هذه الزينة أبصرت في عينيها كلاما توارى خلف ضباب الدموع ، حاولت أن تزرع في داخلي الشك بابتسامة باهته ، وتلقي علي كعادتها تحية المساء ، أبت أحرفي إلا أن تبادرها بالاستفهام ؟؟
كانت الأسئلة ثقيلة ، لم تستطع أن تتحملها .. هربت مني بصمتها ، لم تستطع أن تتكلم من تثاقل الأسئلة واختناق العبرة ، بعدها بدت كطفل أعياه
الضياع فلم تجد بد من الارتماء بين أحضان البكاء ، لمست بين أحشائها نارا تشتعل ، وفي نبضها وقود يزيد في اشتعالها ، وفي أنفاسها هجيرها ،
أخذت تبكي وتبكي حتى أخرجت دمعتي من خدرها ، ضممتها إلى صدري ، علني أمنحها الدفء ، ارتعشت أطرافي برعشة قلبها ، احترقت بدفئها ، ذبلت دمعتي بلحظه ، حاولت جاهدا أن أفيق من سكرة أنفاسها ، و بكل قطرة وفاء نقشت على محياي أمسكت برأسها ، حاولت أن أقرأ مقلتيها بيأس ،

فقرأت حنانا يحمي من ويلات الأنين ..
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...

وقرأت حبا يكفي كل المحبين..
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...

وقرأت حدائق صدق ورياحين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت بياض ثلج أذابته السنين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت براءة طفل تائه مسكين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...

وقرأت كبرياء يموت كل حين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت تعلقا بقطعان السراب مهين ..
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...

وقرأت أدمعا تنهمر كلؤلؤ ثمين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...

وقرأت همسا بين الأهداب سجين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت جرحا في التناهيد دفين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت بوحا يهاب اشتعال الحنين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت وفاء يقتات منه العاشقين ...

ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...

وقرأت قصائد طهر تلبي جنون العابثين...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت براكين وجد تكاد تمزق الشرايين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت عتاب الشهد لطائر حزين ...
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت ظمأ العاشق لرشف المقلتين ....
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


وقرأت شقاء الأرض من بدء التكوين ..
ومع ذلك كانت تهرب بصمتها...


لأول مرة أرى النجوم تتثاءب ، لكن عيون الجرحى ساهرة ،

ولأول مرة أكره تداخل خيوط الليل بشباك الفجر ، لكن براكين الهوى ثائرة ،

ولأول مرة أرى الوداع يخلو من ويل الكلام !!!!

عندها أُكره علي الوداع ، فحاولت أن تودعني فلم تستطع .. ولم تستطع ...

كانت النسائم ترقبنا بصمت هي الأخرى ، أرادت أن تحتفظ بقطرات على الشطآن للذكرى ، فأنزلت مدامع القمر فكان امتزاج القطرات بماء البحر
لوحة حزينة لذكرياتي .